يقدم الباحث والمتمكن من الألمانية بشكل جيد إلى القارئ العربي رؤية المستشرق الألماني لقضايا الإسلام الثقافية والعقائدية العميقة، ليس باعتباره واحدا من خارج الدار؛ وإنما باعتباره إنسانا يتقاطع مع العربي في كثير من قضاياه الثقافية الشديدة الخصوصية. ومن خلال هذا التقديم يظهر لنا أن المستشرق والدارس العربي سيان، يتفقان ويختلفان في أمور كثيرة، مثلما يختلف القراء العرب فيما بينهم. اختار مركز أديان للبحث والترجمة هذا الكتاب، تحت عنوان "دراسة في السيرة النبوية بين الحقيقة والخرافة"، ليشرك بعض المستشرقين الألمان في الحوار الدائر حول السيرة، في المجال الإسلامي وخارجه. ولم يكن الباحث في هذا العمل صاحب موقف مسبق ولا موقع محدد، يجعل الدارسين العرب أو المستشرقين في واحدة من زوايا الحوار تقابل الزاوية الأخرى. وإنما كان الحوار دائرا بين الجميع على قدم المساواة، وكان النقد موجها للدارسين جميعا ينالون فيه حظهم من الموافقة والمخالفة على قدم المساواة؛ وربما وجدنا الباحث في كثير من مواقفه يرسم لنا حدودا وقف عندها الباحثون العرب والمستشرقون الألمان في المساءلة والمدارسة، كان بالإمكان تجاوزها بخطوات كثيرة وطويلة. وهذا النوع من البحث الذي أطلق فيه الباحث العنان لأسئلة كثيرة عن حقائق السيرة النبوية وخرافات كثيرة ملحقة بها، يندرج ضمن البحوث التنويرية المشاكسة، والتي ينبغي الاعتراف بضرورتها لإحداث التنوير المطلوب في مجال الدراسات الإسلامية والدينية عموما، ومجال مقارنة الأديان بشكل أخص.